"داعش" تعود.. لكن ليس كما عرفناها
كتب مجد منصور

ملخص :
تفكيك عودة التنظيم في سوريا: من الفراغ الأمني إلى الاستثمار في التطرف
بعد سنوات من الاعتقاد بأن تنظيم داعش أصبح صفحة من الماضي، تعود الأسئلة بقوة إلى الواجهة: هل ما نشهده اليوم عودة حقيقية للتنظيم؟ أم مجرد تضخيم إعلامي؟ ولماذا الآن؟
القلق مشروع، لأن ما يحدث في سوريا ليس تفصيلاً عابراً، بل جزء من مشهد إقليمي مضطرب تُعاد فيه صياغة التوازنات، وتُفتح فيه المساحات أمام لاعبين اعتقدنا أنهم هُزموا.
عودة حقيقية.. لكن بصيغة مختلفة
الحديث عن عودة "داعش" ليس وهماً، لكنه أيضاً ليس تكراراً لعام 2014، فالتنظيم اليوم مختلف: أقل عدداً، وأقل سيطرة جغرافية، لكنه أكثر مرونة، وأكثر قدرة على التسلل داخل الفراغات.
تعيش سوريا ما بعد سقوط النظام السابق مرحلة انتقالية معقّدة، دولة جديدة تحاول فرض سيطرتها، ومؤسسات تُبنى من الصفر، وأمن يحتاج إلى وقت كي يستقر. في هذه اللحظة بالذات، يظهر داعش كتنظيم يعرف جيداً كيف يتحرّك بين الشقوق.
التحوّل الذي شهدته هيئة تحرير الشام -من فصيل مسلح إلى سلطة تسعى للعمل المؤسساتي- خلق فراغاً فكرياً داخل التيارات السلفية المتشددة. بعض الأفراد، غير الراضين عن هذا التحول، وجدوا في داعش بديلاً "عقائدياً" أكثر تطرفاً، وأكثر انسجاماً مع خطابهم المغلق.. هنا تبدأ القصة.
سوريا.. الساحة الأكثر هشاشة
ليست المصادفة أن تكون سوريا بؤرة هذا الحراك، فالفراغ الأمني، وتعدد الجبهات، والتوترات الطائفية، والضغط الخارجي المستمر كلها عوامل تُرهق أي حكومة جديدة.
داعش لا يحتاج إلى السيطرة على مدن؛ يكفيه أن يضرب هنا وهناك، أن يثبت حضوره، وأن يقول: "الدولة لا تستطيع حمايتكم".
الهجمات التي شهدتها البلاد خلال الأشهر الماضية، واستهداف مواقع غير تقليدية، تؤكد أن التنظيم يستثمر في الفوضى أكثر مما يصنعها، ومع كل توتر جديد -في الجنوب، في الشمال، أو على الحدود- تتوسع مساحة المناورة أمامه.
أداة في صراع أكبر
داعش اليوم ليس فاعلاً مستقلاً. هو أداة في صراع إقليمي ودولي مفتوح، فوجوده يخدم إبقاء المنطقة على صفيح ساخن، وترك كل الخيارات مفتوحة أمام القوى التي تُدير المشهد من خلف الستار.
الحديث المتكرر عن التنظيم يمكن أن يُستخدم لإضعاف حكومة ناشئة، أو لإبقاء ملفات أمنية معلّقة، أو لتبرير تدخلات وسياسات مؤجلة.
المفارقة أن الخاسر الأكبر من كل ذلك هو إنسان المنطقة: السوري، واللبناني، والعراقي، والشاب الذي يبحث عن حياة طبيعية في وسط هذا الركام.
الإعلام.. بين التهويل والإنكار
الإعلام ليس المشكلة، لكنه قد يصبح جزءاً منها إذا أخطأ التوازن.
التهويل يخلق هلعاً وخسائر اقتصادية وأمنية، والإنكار يخلق شعوراً زائفاً بالأمان.
المطلوب إدارة واقعية للملف: تسمية الخطر دون تضخيمه، وفضحه دون تحويله إلى أسطورة.
لماذا يجب أن يهتم الشباب؟
لأن أخطر ما يواجه هذا الجيل ليس العنف المباشر، بل التطرف كفكرة.
داعش تنظيم متحوّل، يعرف كيف يخاطب الأجيال الجديدة، ويعيد تدوير خطابه الديني السلفي بلغة تبدو "واضحة" و"حازمة" في عالم مليء بالارتباك.
حين تفشل الدولة والمجتمع في تقديم بدائل فكرية وسطية، وفي بناء تعليم نقدي من الصفوف الأولى، تترك الشباب مكشوفين أمام هذا الخطاب. المشكلة هنا فكرية وتعليمية قبل أن تكون أمنية.
داعش: مرض لا عرض
داعش ليس حادثاً طارئاً. هو مرض مزمن.
قد يتغير اسمه، قد يضعف، قد يختفي مؤقتاً، لكنه يعود كلما توفرت بيئة تطرف، وفراغ، وإقصاء.
والخطأ الأكبر هو التعامل معه كبديل أو كحل.. التطرف ليس بديلاً.. داعش ليست الحل.. بناء الأوطان هو البداية.
ماذا ننتظر؟
الأرجح أننا نتجه إلى مرحلة "داعش بلا دولة": تنظيم يتحرك في الظل، ويضرب دون سيطرة جغرافية، ويُستخدم سياسياً كلما دعت الحاجة.
السيناريو الأسوأ هو ترك هذا المرض يتغذى على الانقسامات. والسيناريو الأكثر واقعية هو احتواؤه عبر دولة قوية، وخطاب ديني عقلاني، وتعليم يحصّن الأجيال.
هذا المقال لا يهدف إلى تخويفك، بل إلى أن يجعلك واعياً: فالخطر الحقيقي لا يبدأ من السلاح.. بل من الفكرة التي تسبق إطلاقه.





