من الحرب إلى الأبراج الذهبية: هكذا وُلدت فكرة برج ترامب في دمشق

برج ترامب في دمشق لم يكن مجرد مشروع عقاري فاخر، بل أداة سياسية مصممة لجذب انتباه الرئيس الأمريكي وتطبيع العلاقات بين واشنطن وسوريا ما بعد الحرب.
في بلد خرج للتو من واحدة من أعنف الحروب في العصر الحديث، لم يكن يتوقع أحد أن يظهر اسم "ترامب" وسط العاصمة السورية دمشق، لا في السياسة فقط، بل في واجهة ناطحة سحاب مقترحة بارتفاع 45 طابقًا، محاطة بالزجاج والذهب.
لكن هذا هو بالضبط ما يحدث الآن.
الفكرة لم تأتِ من فراغ. بل كانت جزءًا من خطة مدروسة لتوجيه الأنظار إلى سوريا الجديدة – سوريا ما بعد الأسد – باستخدام ورقة يعرف الجميع أنها تجذب الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب: مشاريع عقارية ضخمة تحمل اسمه.
القصة من البداية: من واشنطن إلى دمشق
في ديسمبر الماضي، وخلال جلسة في الكونغرس، اقترح النائب الجمهوري جو ويلسون فكرة بناء "برج ترامب في دمشق" كإشارة رمزية لتحول سوريا نحو السلام والانفتاح. الفكرة جذبت انتباه الكاتب السوري المقرب من الحكومة الجديدة، رضوان زيادة، الذي التقط الإشارة بسرعة.
زيادة لم يتردد، فتوجه إلى رجل الأعمال السوري-الإماراتي وليد الزعبي، رئيس مجموعة "تايغر" التي تملك مشاريع بمليارات الدولارات في الشرق الأوسط، وأقنعه بالمضي قدمًا في المشروع.
"الهدف لم يكن فقط البناء"، يقول زيادة، "بل إرسال رسالة سياسية... هذه الطريقة التي تكسب بها قلب ترامب".
لماذا ترامب تحديدًا؟
ترامب، الذي لا يُخفي شغفه بالصفقات، كثيرًا ما خلط بين السياسة والتجارة، خاصة في الشرق الأوسط. خلال ولايته، افتُتحت مشاريع باسمه في تركيا، وإندونيسيا، وتلقى طائرة خاصة كهدية من قطر.
زيادة وزعبي استغلوا هذا التوجه، وقدموا تصميماً مبدئياً لبرج ترامب في دمشق إلى السفير السعودي، الذي وعد بإيصاله إلى فريق ترامب عبر الرياض.
لاحقًا، تم تقديم الفكرة أيضًا إلى وزير الخارجية السوري الجديد، أسعد الشباني، خلال زيارته للأمم المتحدة، حيث التقى بقيادات دينية قريبة من إدارة ترامب.
السياسة عبر الاستثمار
برج ترامب لم يكن مشروعًا عقاريًا فحسب. لقد جاء كجزء من حزمة عروض من سوريا للإدارة الأمريكية، شملت:
وصول الولايات المتحدة إلى حقول النفط السورية
فرص استثمارية للشركات الأمريكية
ضمانات أمنية لإسرائيل
كلها عناصر جذبت انتباه ترامب، الذي أعلن بعد أسابيع رفع العقوبات عن سوريا بالكامل، ووصف الرئيس السوري الجديد أحمد الشراع بأنه "قوي وجذاب".
من التصوّر إلى الواقع
وفقًا للزعبي، فإن المشروع المقدر بـ200 مليون دولار سيكون أحد أبرز المعالم المعمارية في دمشق، وسيتألف من 45 طابقًا، وقد يرتفع أكثر حسب التراخيص.
حاليًا، يعمل على استكمال تصاريح البناء، وبعدها سيتوجه رسميًا للحصول على حقوق استخدام اسم ترامب كعلامة تجارية.
ولم يتم حتى الآن إدراج اسم ترامب على التصميمات المنشورة، لكن الفكرة قائمة، وتنتظر الضوء الأخضر من مؤسسة ترامب.
بين الرمزية والاستثمار
الزعبي يصف المشروع بأنه "أكثر من مجرد برج". يقول: "نريد أن نحول صورة دمشق من الانفجارات والرماد إلى ضوء وجمال. البرج يرمز للسلام... للسعادة".
وفي مقابلة مع The Guardian، شارك صورة لساحة في دمشق حيث استُبدلت مشاهد الحرب بناطحة سحاب حديثة. “إنه انتقال من الدمار إلى الطموح”، أضاف.
تحديات في الطريق
رغم الحماسة، المشروع ليس خاليًا من العقبات:
الوضع الاقتصادي السوري لا يزال هشًا، مع 90% من السكان تحت خط الفقر.
البنية التحتية شبه منهارة.
رفع العقوبات ما زال قيد التنفيذ القانوني.
العلامة التجارية لترامب قد تواجه انتقادات سياسية وإعلامية.
لكن الفريق متفائل، ويرى أن المشروع سيحفز الاستثمارات الأجنبية ويعيد ثقة السوق.
هل هذه بداية جديدة لسوريا؟
لجيل وُلِد في ظل الحرب، قد يبدو برج ترامب في دمشق أمرًا "غريبًا"، لكنه أيضًا رمز لتحول كبير.
هل هي بداية لإعادة إعمار حقيقية؟ أم مجرد فقاعة سياسية مرتبطة باسم ترامب؟