الصدر مؤسس حركة أمل يعود إلى الواجهة.. فما قصة اختفائه؟

ملخص :
بعد مرور نحو خمسين عاماً على اختفاء رجل الدين اللبناني موسى الصدر في ليبيا عام 1978، عاد اسمه ليحتل واجهة النقاش مجدداً، وذلك بعد نشر شبكة "بي بي سي" البريطانية تحقيقاً جديداً كشف عن خيط غير مسبوق قد يمنح فرصة لفهم أحد أكثر الألغاز السياسية غموضاً في تاريخ لبنان الحديث.
ويستعرض التحقيق كيف تمكن الصحفي اللبناني-السويدي قاسم حمادة عام 2011، بعد سقوط نظام العقيد معمر القذافي، من الوصول إلى مشرحة سرية في طرابلس الليبية، حيث عثر على 17 جثة يُعتقد أنها تعود لرجال أُعدموا قبل نحو ثلاثة عقود. وقد لفتت انتباهه، من بين هذه الجثث، جثة طويلة القامة تحمل ملامح قريبة من ملامح الصدر، المعروف بطوله الفارع.
وعرضت شبكة "بي بي سي" هذه الصورة على فريق في جامعة "برادفورد" البريطانية، الذي يعمل منذ عقدين على تطوير خوارزمية للتعرف العميق على الوجه، وبعد مقارنة الصورة مع أربع صور لموسى الصدر في مراحل مختلفة من حياته، أعطت النتيجة تقييماً بحدود 60 من 100، وهو ما وصفه الخبراء بأنه "احتمال مرتفع أن تكون الجثة تعود إليه". فمن من هو موسى الصدر؟ وما قصة اختفائه؟
اسمه ومولده:
موسى بن صدر الدين بن إسماعيل بن صدر الدين بن صالح شرف الدين، ولد في 15 آذار 1928 في مدينة قم الإيرانية.
تعليمه:
- انتسب إلى جامعة قم الدينية واشتهر بأنه محقق وباحث متحدث ومناقش مميز، وحصل على درجة الاجتهاد.
- التحق بجامعة طهران كلية الحقوق وتخرج منها حاملاً إجازة في الاقتصاد عام 1953، وكانت عمامته أول عمامة تدخل حرم الجامعة.
- انتقل في العام 1954 إلى النجف الأشرف لمتابعة دروسه الدينية.
انتقاله إلى لبنان
زار الصدر مدينة صور أول مرة سنة 1955، وحل ضيفاً على نسيبه السيد عبد الحسين شرف الدين. وفي أواخر عام 1959، وبناءً على دعوة أبناء نسيبه، عاد الصدر إلى لبنان وأقام في مدينة صور خلفاً لنسيبه الإمام شرف الدين، ليبدأ مسيرته في لبنان.
موقفه من الحرب اللبنانية
بعد اندلاع الحرب اللبنانية الأهلية عام 1975، رفض الصدر الحرب وسعى لنزع فتيلها، فاعتصم في مسجد الصفا في بيروت، مطالباً بوضع حد للعنف ومناقشة إخراج السلاح لصون وحدة الوطن. وقال حينها: "اخترت الصيام والاعتصام لكي أضع حداً للعنف، ومناقشة إخراج السلاح لنصون وحدة وطننا ونحمي قرارنا ونوفر قوتنا وبأسنا لعدونا".
زيارة الصدر للدول العربية
بعد اجتياح الاحتلال الإسرائيلي للجنوب اللبناني في 14/3/1978، ورغبة في عرض تطورات الوضع في لبنان على رؤساء الدول العربية، زار الصدر كلا من:
- الجمهورية العربية السورية
- المملكة الأردنية الهاشمية
- المملكة العربية السعودية
- الجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية
رحلته إلى ليبيا
- في 28/7/1978، استقبل الصدر في مكتبه القائم بأعمال السفارة الليبية في لبنان، الذي أبلغه دعوة من مؤتمر الشعب العام في الجماهيرية لزيارتها والاجتماع بالأمين العام للمؤتمر، الرئيس معمر القذافي، متمنياً أن تبدأ الزيارة في 19 أو 21 آب 1978.
- وبتاريخ 20/8/1978، أبلغ الصدر القائم بالأعمال الليبي برغبته أن تبدأ الزيارة في 25/8/1978، مع ضرورة مغادرته الجماهيرية قبل 1/9/1978 للاهتمام بزوجته المريضة في فرنسا والعودة إلى لبنان لمتابعة شؤون ملحة، كما أبلغه بأسماء عضوي الوفد المرافق له.
- قدمت السفارة الليبية تذاكر السفر للصدر ورفيقيه، الشيخ محمد يعقوب والسيد عباس بدر الدين، وحُجزت مقاعدهم بالدرجة الأولى على متن طائرة شركة طيران الشرق الأوسط. عند وصوله إلى مطار طرابلس الغرب، استقبله رئيس مكتب الاتصال الخارجي في مؤتمر الشعب العام، السيد أحمد الشحاتي، وأقام الصدر ومرافقوه ضيوفاً على السلطات الليبية في فندق الشاطئ بطرابلس الغرب.
انقطاع أخبار الصدر
منذ وصوله إلى ليبيا، لم يرد أي اتصال أو رسالة من الصدر، ومع تأخر عودته ومرافقيه، طلب المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى من القائم بالأعمال الليبي في لبنان بتاريخ 6 أيلول 1978 معلومات عنه، إلا أن الأخير ماطل أربعة أيام قبل الرد.
ثم عرض المجلس الموضوع على رئيس الحكومة اللبنانية آنذاك، الدكتور سليم الحص، الذي استدعى القائم بالأعمال الليبي لتأكيد الطلب، فكان الرد أن الصدر ومرافقيه غادروا ليبيا مساء 31 آب 1978 إلى روما على متن طائرة الخطوط الجوية الإيطالية الرحلة رقم 881.
بعض الحقائق الموثقة
- كان في استقبال الصدر عند وصوله مطار طرابلس الغرب السيد أحمد الشحاتي.
- نزل الصدر ومرافقوه في فندق الشاطئ بطرابلس الغرب كضيوف على الأمانة العامة لمؤتمر الشعب العام.
- أجرى الشحاتي مباحثات مع الصدر بتاريخ 26 و27 آب 1978، وتم تسجيل حديث له للتلفزيون الليبي وإذاعة الوطن العربي، إلا أنه لم يُبث.
- منذ وصوله، كان الصدر ينتظر موعد اجتماعه بالقذافي، وأبلغ السلطات الليبية بضرورة سفره إلى باريس قبل 1/9/1978.
- شوهد الصدر ومرافقيه يغادرون فندق الشاطئ حوالي الساعة الواحدة من ظهر 31/8/1978، استعداداً للاجتماع مع القذافي، إلا أن الاجتماع لم يتم وتم تبليغه لاحقاً أنه قد سافر.
انتشار خبر اختفاء الصدر
أبرزت الصحف اللبنانية في 12 أيلول 1978 خبر اختفاء الصدر، وتناقلته الإذاعات ووسائل الإعلام العالمية.
رسالة من منظمة وهمية ونفي السلطات الإيطالية
بتاريخ 28/9/1978، وُجدت رسالة موجهة إلى الصحيفة الإيطالية "بايزي سييرا"، موقعة باسم "منظمة اللبنانيين العلمانيين من أجل لبنان موحد وعلماني"، تفيد بأن الصدر اختُطف في 31/8/1978 فور وصوله إلى روما، وأن مرافقه عباس بدر الدين ساعد في الاختطاف، بينما قتل الشيخ محمد يعقوب، وأن الصدر موجود حالياً في أمستردام. لكن السلطات الإيطالية نفت أن الصدر دخل أراضيها أو مر بالترانزيت في مطار روما.
بعد 50 عاماً
بعد نحو خمسين عاماً على اختفاء الصدر، ما زال الشيعة في لبنان وإيران يتهمون ليبيا بالمسؤولية عن اختفائه ورفيقيه، فيما نفى نظام القذافي دائماً اختفائهم على أراضيه، مؤكداً أنهم غادروا إلى إيطاليا، في حين أكدت السلطات الإيطالية أنهم لم يدخلوا البلاد أصلاً لأنهم لم يغادروا ليبيا.