محادثات ترامب وشي في كوريا الجنوبية.. بوادر هدنة تجارية

ملخص :
اختُتمت المباحثات التي جمعت الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، ونظيره الصيني، شي جين بينغ، في مدينة بوسان الكورية الجنوبية، اليوم الخميس، وسط مساعٍ حثيثة للتوصل إلى هدنة في الحرب التجارية بين أكبر اقتصادين في العالم، وجاء اللقاء في وقت حساس، بعد ساعات فقط من إعلان ترامب عزمه استئناف التجارب النووية الأميركية، ما أضفى أجواءً مشحونة على القمة المنتظرة.
وخلال اللقاء، حرص ترامب على الإشادة بنظيره الصيني، واصفًا إياه بأنه "مفاوض قوي للغاية"، مضيفا أثناء مصافحته له: "سيكون لدينا تفاهم كبير، لقد كانت علاقتنا دائمًا رائعة".
شي جين بينغ يدعو إلى "شراكة وصداقة" بين العملاقين
في المقابل، أكد الرئيس الصيني أن بلاده والولايات المتحدة "لا تتفقان دائمًا في وجهات النظر"، لكنه شدد على أهمية أن يسعيا لأن يكونا "شريكين وصديقين، قائلا في مستهل المباحثات "يمكن للصين والولايات المتحدة أن تتحملا المسؤولية المشتركة كقوتين عُظميين، وأن تعملا معًا لتحقيق إنجازات ملموسة تعود بالنفع على البلدين والعالم بأسره."
من حضر اللقاء؟
وحضر الاجتماع عدد من كبار المسؤولين من الجانبين؛ من الجانب الأميركي شارك وزير الخارجية ماركو روبيو، ووزير الخزانة سكوت بيسنت، ووزير التجارة هاورد لوتنيك، أما من الجانب الصيني، فضم الوفد وزير الخارجية وانغ يي، ووزير التجارة وانغ وينتاو، ونائب رئيس مجلس الدولة هي ليفنغ.
تصعيد نووي يسبق اللقاء
قبل ساعات من بدء القمة، أثارت تصريحات ترامب بشأن استئناف التجارب النووية جدلًا واسعًا، إذ أعلن أنه وجّه وزارة الدفاع الأميركية "لبدء اختبار" الأسلحة النووية، في خطوة اعتُبرت ردًا على تصريحات الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الذي أعلن نجاح اختبار مسيّرة تحت الماء قادرة على حمل رؤوس نووية.
وكتب ترامب على منصته "تروث سوشل": "الولايات المتحدة تمتلك أكبر ترسانة نووية في العالم، تليها روسيا، ثم الصين بفارق كبير، لكن الأخيرة ستصل إلى مستوى قريب خلال خمس سنوات."
وبحسب نشرة علماء الذرة، تعود آخر تجربة نووية للصين إلى عام 1990، وللولايات المتحدة إلى عام 1992، ولروسيا إلى العام نفسه، فيما كانت كوريا الشمالية آخر من أجرى تجربة نووية عام 2017.
حرب تجارية ترهق الأسواق العالمية
تأتي المباحثات بين واشنطن وبكين بعد سنوات من توتر تجاري غير مسبوق شمل مجالات عدة، من المعادن النادرة إلى فول الصويا، مرورًا بالرسوم الجمركية ورسوم الموانئ، مما أدى إلى اضطراب الأسواق العالمية وتعطيل سلاسل التوريد، وكان ترامب قد قال أثناء توجهه إلى كوريا الجنوبية إن "الكثير من المشكلات ستحل"، مضيفًا "كنا نتحدث معهم.. أعتقد أننا سنحصل على نتيجة جيدة جدًا لبلدنا وللعالم."
ماذا قالت بكين؟
لكن وزارة الخارجية الصينية التزمت الحذر، وأعلنت أن المحادثات "ستكون معمقة" حول "القضايا الرئيسية"، مشددة على أن بكين "مستعدة للعمل مع الجانب الأميركي لضمان نتائج إيجابية تضخ زخمًا جديدًا في العلاقات بين البلدين".
ملفات اقتصادية حساسة على طاولة المفاوضات
من أبرز الملفات التي طُرحت خلال المباحثات، قضية الفنتانيل، المادة المخدرة التي أودت بحياة عشرات الآلاف من الأميركيين، وأشار ترامب إلى أن الاتفاق المرتقب قد يتضمن خفضًا بنسبة 20% في الرسوم الجمركية على السلع الصينية المرتبطة بهذه المادة.
كما ناقش الطرفان ملف فول الصويا الأميركي، وهو من القضايا المحورية في العلاقات التجارية بين البلدين، وأكد وزير الخزانة الأميركي سكوت بيسنت، بعد محادثات تمهيدية في ماليزيا، أن بكين وافقت على "عمليات شراء كبيرة" من فول الصويا الأميركي.
إلى جانب ذلك، تناول الاجتماع القيود الصينية الأخيرة على تصدير المعادن النادرة، وهي عناصر أساسية في صناعة الإلكترونيات المتقدمة، وتتمتع الصين باحتكار شبه تام لإنتاجها وتصديرها عالميًا، ما يمنحها ورقة ضغط قوية في أي مفاوضات تجارية.
قمة على هامش منتدى أبيك
عُقد اللقاء بين الزعيمين على هامش قمة منتدى التعاون الاقتصادي لدول آسيا والمحيط الهادئ (أبيك)، التي تضم 21 دولة، في مدينة غيونغجو الكورية الجنوبية.
وكانت هذه المحطة الأخيرة في جولة ترامب الآسيوية التي حظي خلالها باستقبال رسمي وشعبي واسع، وتلقى فيها عددًا من الهدايا الرمزية، أبرزها نسخة من التاج الذهبي الكوري القديم، وفي اليابان، أهدت رئيسة الوزراء الجديدة ساناي تاكايتشي ترامب عصا غولف وكرة مطلية بالذهب، في لفتة ترمز إلى الصداقة الشخصية بين الجانبين.
التنافس الأميركي - الصيني مستمر
حتى في حال التوصل إلى اتفاق جزئي، يرى المراقبون أن ذلك لن يوقف التنافس الاقتصادي والتكنولوجي والاستراتيجي الحاد بين واشنطن وبكين، الذي يمتد من الذكاء الاصطناعي إلى شبكات الاتصالات والطاقة.
لكن بالنسبة لترامب، فأي اتفاق يُعد انتصارًا سياسيًا واقتصاديًا يمكن أن يعزز صورته كـ"مفاوض صلب" قادر على تحقيق مكاسب للولايات المتحدة، في وقت يعاني فيه المواطن الأميركي من الضغوط التضخمية.
ويرى محللون أن نجاح القمة قد يمهد الطريق أمام زيارة مرتقبة لترامب إلى الصين، شبيهة بتلك التي أجراها خلال ولايته الأولى عام 2017، والتي وُصفت آنذاك بـ "زيارة الدولة الاستثنائية".
تايوان.. الملف الحساس في الظل
رغم أن قضية تايوان لم تكن على رأس جدول الأعمال المعلن، فإنها ظلت حاضرة في الكواليس، وتوقّع مراقبون أن يثير شي الملف مع ترامب، في محاولة للحصول على موقف أميركي أكثر ليونة تجاه الجزيرة التي تعتبرها بكين جزءًا من أراضيها.
وفي حديثه للصحافيين على متن الطائرة الرئاسية، قال ترامب "لا أعلم ما إذا كنا سنتحدث عن تايوان، قد يرغب في ذلك، لكن ليس هناك الكثير لنتحدث عنه.. تايوان هي تايوان."
ملف كوريا الشمالية... غياب كيم عن المشهد
وفي الوقت الذي تصدر فيه الملف التجاري جدول أعمال القمة، بدت آمال ترامب في عقد لقاء جديد مع الزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ أون بعيدة المنال.
فبعد اجتماعهما التاريخي عام 2019 في المنطقة المنزوعة السلاح، قال ترامب إنه "ما زال يأمل في لقاء قريب"، مضيفًا أنه "يسعى إلى تهدئة التوترات بين الكوريتين".
وأشاد الرئيس الأميركي، خلال وجوده في سيول، بالتحالف العسكري بين بلاده وكوريا الجنوبية، واصفًا إياه بأنه "أقوى من أي وقت مضى"، معلنًا في الوقت ذاته موافقته على مشروع بناء غواصة كورية تعمل بالطاقة النووية.
رغم أجواء التفاؤل التي رافقت القمة، فإن الطريق نحو اتفاق شامل ومستدام بين واشنطن وبكين لا يزال مليئًا بالعقبات، فالتباينات العميقة في الرؤى الاقتصادية والسياسية، إضافة إلى تصاعد سباق التسلح والتطورات الجيوسياسية في شرق آسيا، تجعل من أي تفاهم بين الجانبين هدنة مؤقتة أكثر من كونها سلامًا دائمًا.
ومع ذلك، تبقى نتائج اجتماع بوسان مؤشرًا إيجابيًا على رغبة الطرفين في كبح التصعيد وإعادة فتح قنوات الحوار في زمن تتسارع فيه التحديات العالمية.





