"جيل زد" يستمر في مفاجئة العالم.. رئيس مدغشقر يهرب من البلاد نتيجة الاحتجاجات

اندلعت المظاهرات التي قادها "جيل زد" في البلاد منذ 25 سبتمبر/أيلول احتجاجا على نقص المياه والكهرباء، وسرعان ما تطورت إلى انتفاضة بسبب مظالم أوسع نطاقًا، بما في ذلك الفساد وسوء الإدارة ونقص الخدمات الأساسية.

وفي ساحة 13 مايو/أيار في أنتاناناريفو، الثلاثاء، على طول الشارع الرئيسي الذي تزينه أشجار النخيل ومباني الحقبة الاستعمارية الفرنسية، رقص آلاف المتظاهرين وساروا وأنشدوا الأغاني ولوحوا بلافتات تندد براجولينا ووصفوه بأنه "عميل فرنسي"، بسبب جنسيته المزدوجة ودعمه من المستعمر السابق لمدغشقر، ملوحين بأعلام مدغشقر، ولافتة الاحتجاج المميزة لـ "جيل زد"، وهي عبارة عن جمجمة وعظمتين متقاطعتين من مسلسل الأنمي الياباني"One Piece".

العقيد راندريانيرينا يقود التحرك.. "توقفوا عن تنفيذ الأوامر"

انطلق التحرك العسكري صباح يوم السبت، حين بث العقيد مايكل راندريانيرينا، أحد الشخصيات العسكرية المعروفة، رسالة مصوّرة عبر منصة فيسبوك، مثلت دعوة صريحة وعلنية لجميع الجنود القادرين على تحمّل المسؤولية الوطنية للالتحاق بالحراك الشعبي و"الكف عن تطبيق تعليمات رؤسائهم"

وفي غضون ساعات قليلة، احتلت واجهة الأحداث صور ومقاطع لكبار الضباط وهم يظهرون أمام حشود المتظاهرين وعدسات وسائل الإعلام الدولية، في المقابل، وصف الرئيس أندري راجولينا، الذي غادر البلاد عبر طائرة إلى فرنسا، هذه الخطوة بأنها "مسعى غير مشروع للاستحواذ على زمام الحكم بالقوة".

مشهد رمزي ومؤثر

 ظهر العقيد راندريانيرينا وسط العاصمة، محاطاً بزملائه داخل معسكر "كابسات" المركزي، ليخاطب لاحقاً الجماهير المحتشدة في ساحة "13 مايو" التاريخية، مرتدياً الزي العسكري وقبعته الخضراء على متن مركبة مدرعة، فيما كانت القوات التي لا تزال موالية للرئيس راجولينا تتراجع تدريجياً من المنطقة.

الجيش يتسلم زمام الأمور و"البرلمان" يعزل الرئيس

وشهد، يوم أمس الثلاثاء، إعلاناً حاسماً من العقيد راندريانيرينا بتولي الجيش زمام السلطة في البلاد، وجاء هذا الإعلان عقب تصويت الجمعية الوطنية (البرلمان) على قرار عزل الرئيس أندري راجولينا بتهمة "التخلي عن القيام بالواجب".

وبعد لحظات من قرار البرلمان، أكد العقيد أن المؤسسة العسكرية ستقوم بحل كافة الهيئات والمؤسسات الحكومية، مع استثناء مجلس النواب تحديداً الذي صوت على عزل الرئيس.

وفي سياق تأكيده على شرعية التحرك، نفى راندريانيرينا أن يكون ما حدث محاولة انقلاب، قائلاً "هذه ليست مسعى انقلابياً.. الجيش استجاب لنداء الشعب.. السلطة ملك للشعب، وهي ليست لي شخصياً".

صعود راندريانيرينا: قائد متمرس يعود من "الظل"

يتمتع العقيد مايكل راندريانيرينا بخلفية عسكرية وإدارية لافتة:

• قاد في السابق كتيبة المشاة في منطقة توليار جنوب غرب البلاد، وتولى منصب حاكم منطقة أندروي في الفترة ما بين عامي 2016 و2018.
• وفي نوفمبر/تشرين الثاني 2023، تعرض راندريانيرينا للتوقيف ووضع تحت الإقامة الجبرية، وصدر بحقه حكم بالسجن مع وقف التنفيذ بتهمة "تقويض أمن الدولة". 
• وبعد خروجه من المستشفى العسكري في فبراير/شباط 2024، عاد إلى صفوف الجيش لكن دون تولي منصب قيادي آنذاك، معلقاً على تلك الفترة بقوله "كنت في الظل.. أمارس الطبخ وألعب كرة القدم".
• في 12 أكتوبر/تشرين الأول، قام وزير الدفاع، ديراماسينجاكا راكوتوأريفيلو، بتعيينه رسمياً رئيساً لهيئة الأركان العامة، وهو المنصب الذي طالبت به وحدات "كابسات". 

توترات واشتباكات في ظل حالة الغليان الشعبي

لم يخلُ المشهد من التوترات الأمنية، ففي 11 أكتوبر/تشرين الأول، اندلعت اشتباكات عنيفة بين جنود "كابسات"، وعناصر من قوات الدرك، أسفرت عن مصرع جندي من "كابسات" بالقرب من المقر التاريخي للدرك "توبي راتسيماندرابا". 

وفي اليوم التالي، وخلال زيارة لضباط من الدرك إلى معسكر "كابسات" لتقديم واجب العزاء، أطلق جنود "كابسات" النيران تحذيرياً وبالقرب من الحاضرين، مما أدى إلى إصابة ثلاثة مدنيين.

الرئيس راجولينا يتمسك بالشرعية رغم هروبه

بعد أن فقد الرئيس راجولينا السيطرة على المشهد إثر انضمام الجيش للاحتجاجات، ولجأ إلى فرنسا، واستبعد في خطاب مباشر له على فيسبوك، وهو أول تصريح له منذ تصاعد الأحداث، مسألة استقالته، داعياً إلى "الالتزام بأحكام الدستور"

يُذكر أن راجولينا كان قد أُعيد انتخابه في عامي 2018 و2023 في انتخابات شابها جدل واسع وشهدت مقاطعة ملحوظة من قبل المعارضة السياسية، إلا أن تحرك المؤسسة العسكرية، المستند إلى إرادة البرلمان والشعب، وضع نهاية فعلية لحكمه في الوقت الراهن، لتواجه مدغشقر مرحلة جديدة غامضة المعالم تحت قيادة عسكرية مؤقتة.

ماكرون يدخل على الخط

قال الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، أمس الثلاثاء، تعليقا على الأحداث في مدغشقر، إنه يجب الحفاظ على النظام الدستوري، وإنه بينما تتفهم فرنسا مظالم الشباب، فلا ينبغي استغلالهم من قبل الفصائل العسكرية.