اتفاقية خور عبد الله.. العراق يحاول إنقاذ معاهدة حدودية ألغتها المحكمة الاتحادية

ملخص :
أبطلت المحكمة الاتحادية في العراق اتفاقية خور عبد الله البحرية الموقعة مع الكويت، وأثار القرار مخاوف من أزمة دبلوماسية مع الجارة الكويت، وعودة شبح النزاعات الحدودية، وعلى إثر ذلك، سارع الرئاسات العراقية – رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء – إلى الطعن في حكم البطلان أمام المحكمة، في محاولة لإنقاذ الاتفاقية وإعادة الالتزام بها، فماذا تعرف عن هذه الاتفاقية، ولماذا يسعى قادة العراق لتمريرها مجدداً؟
ما هي اتفاقية خور عبد الله؟
- معاهدة لترسيم الملاحة وُقّعت عام 2012، وصُدّق عليها في البرلمان العراقي عام 2013، بهدف تنظيم الملاحة في قناة خور عبد الله المائية بين البلدين، نصّت الاتفاقية على عدم مساسها بالحدود الدولية المرسّمة وفق قرار الأمم المتحدة رقم 833 لعام 1993، أي أنها وضعت قواعد واضحة لتسيير السفن ومنع أي طرف من الإضرار بمصالح الآخر في هذا الممر الحيوي.
- يقع الخور في أقصى شمال الخليج ويتقاسمه العراق والكويت؛ وهو المنفذ البحري الوحيد للعراق نحو مياه الخليج عبر موانئه الجنوبية، كما بنت الكويت على جزيرة بوبيان قرب الخور ميناء مبارك الكبير، ما جعل الاتفاق على تنظيم المرور ضرورة ملحّة لتجنب تضارب المصالح.
- منذ لحظة توقيعها، واجهت الاتفاقية انتقادات سياسية حادة داخل العراق، واتهم بعض الساسة -آنذاك- حكومة نوري المالكي بالتفريط بـ "حقوق العراق البحرية"، واعتبروا تقسيم الممر تنازلاً غير مبرر للكويت، رغم ذلك، صادق البرلمان عليها بغالبية عام 2013، واعتُبرت من منجزات طي صفحة التوتر مع الكويت بعد حرب الخليج.
حكم البطلان ومبرراته
- قرار المحكمة الاتحادية: في 4 أيلول/سبتمبر 2023، قضت المحكمة بعدم دستورية قانون التصديق على الاتفاقية، واستندت إلى أن إقرار البرلمان لها في 2013 تمّ دون أغلبية الثلثين الدستورية المطلوبة للمعاهدات، وبهذا المنظور، رأت المحكمة أن القانون باطل منذ صدوره لمخالفته شروط التصديق المنصوص عليها في الدستور العراقي.
- تداعيات حكم البطلان نظريا: انسحاب العراق من الاتفاقية من طرف واحد، مما يعيد ترسيم الحدود والتزامات الملاحة إلى المربع الأول (اتفاقية وقف النار 1991 وقرار الأمم المتحدة 833)، واعتبرت الكويت الأمر تطورًا بالغ الخطورة؛ فسارعت لتقديم مذكرة احتجاج رسمية، وساندها مجلس التعاون الخليجي مطالبًا بغداد بمعالجة "الآثار السلبية" للقرار.
- توقيت حساس: جاء الحكم في خضم تقارب عراقي – خليجي، وتحسن علاقات بغداد بالكويت، لذا فُسّر كضربة لهذه الأجواء الإيجابية، وأحرج الحكومة العراقية التي وجدت نفسها بين مطرقة القضاء الذي لا يمكنها التدخل فيه، وسندان الجوار الخليجي القلق من أي إشارة تراجع عن الاتفاقات.
تحرك الرئاسات.. طعن لإنقاذ الاتفاقية
- الرئيس العراقي السابق، برهم صالح، والرئيس الحالي، عبد اللطيف رشيد، قدما طلبًا رسميًا للمحكمة للعدول عن قرارها، واستند الطعن إلى حجج قانونية بأن الاتفاقية أصبحت التزامًا دوليًا بعد إيداعها لدى الأمم المتحدة، وأن إبطالها من جانب واحد يعرّض العراق لمسؤولية دولية، ويخالف المادة 8 من الدستور العراقي التي تلزم باحترام المعاهدات.
- رئيس الوزراء، محمد شياع السوداني، انضم بدوره للطعن منفصلاً، وبرر ذلك بضرورة حماية مصالح العراق مع الالتزام بالقانون الدولي، مشددا أن حكم البطلان قد يفتح باب نزاع مع الكويت ويضر بعلاقات العراق الإقليمية والاستثمارية، داعيا المحكمة إلى إعادة اعتماد قانون 2013 حفاظًا على مبدأ حسن الجوار.
- أجّلت المحكمة العليا جلسات النظر في الطعنين عدة مرات (كان آخرها إلى يونيو الماضي)، وهذا يظهر مدى حساسية القرار قضائيًا وسياسيًا، فالقضاء العراقي مستقل ولا يريد الظهور وكأنه رضخ لضغط سياسي، وفي الوقت نفسه يدرك خطورة الموقف.
اتفاقية على المحك.. ماذا بعد؟
مساعٍ دبلوماسية للتهدئة: رغم احترامها لقرار المحكمة، أكدت الحكومة العراقية للكويت التزامها بمبادئ الاتفاقية وروحها، وتم تشكيل لجان قانونية مشتركة لبحث الحلول الممكنة، كإعادة التصويت البرلماني بالثلثين لتصحيح وضع الاتفاقية دستوريًا، أما الكويت فاعتبرت الموضوع "شأناً داخلياً عراقياً" على أمل انتهاء الأزمة سريعاً.
مخاطر التصعيد: إذا لم يُعالج الموقف، يخشى مراقبون من عودة مطالبات متشددة داخل العراق بشأن الحدود البحرية، وهو خط أحمر كويتي، كما قد يتضرر مناخ التعاون الاقتصادي (مشاريع الربط السككي والموانئ) بفعل فقدان الثقة.
سيناريوهات الحل
- أمام بغداد مساران؛ إما إقناع المحكمة بالعدول عن حكمها بالبطلان، وهو أمر نادر، أو تمرير قانون جديد عبر البرلمان الحالي بغالبية ثلثين لإعادة التصديق.
- والمسار الثاني يبدو أكثر واقعية وقد يتطلب صفقة سياسية داخل مجلس النواب، خصوصًا مع كتل معارضة للاتفاقية ستستغل الظرف للمزايدة الوطنية.