تأثير الشاشات على الأسرة: تراجع التواصل وغياب اللحظات المشتركة
كيف يغيّر الاستخدام المفرط للهواتف والتلفاز أسلوب حياة العائلة وعلاقاتها اليومية؟

ملخص :
في زمن الإنترنت والرقمنة أصبحت الهواتف الذكية جزء لا يتجزأ من حياتنا اليومية، كانت العائلات سابقا تقضي غالب وقتها في صالة الجلوس مع بعضها البعض يتحدثون سويا ويقيمون أنشطة مسلية، أما في عصرنا الحالي أصبح هذا الأمر قليلا، فصار كل فرد من أفراد الأسرة ينعزل مع هاتفه المحمول في غرفته الخاصة على مواقع التواصل الاجتماعي.
في الماضي كانت تتجمع الأسرة على سفرة الطعام ويتناولون أحاديث حول يومهم، أما الآن ينشغل بعض الأفراد في هاتفه أو جهازه اللوحي بصمت والبعض يتناول وجبته في غرفته على السرير، وآخرين يطالعون هواتفهم وفي الوقت ذاته يشاهدون شاشة التلفاز، فأصبح التواصل بين أفراد الأسرة قليل جدا.
تأثير شاشات الهواتف والتلفاز على التواصل الأسري
تؤثر الشاشات على الأسر من ناحية تراجع الحوار الأسري، بسبب الاستخدام المفرط داخل المنزل؛ إن كان من طرف الأهل أو الأبناء وحتى الأطفال، وهذا يقلل من جودة الحوار بين أفراد الأسرة، ويؤثر على الأطفال وأسلوب الحياة والتربية، كما أنها تؤدي إلى انخفاض التواصل المباشر، والعزلة والوحدة، وزيادة تشتيت الانتباه، وزيادة الصراعات، وتراجع المهارات الاجتماعية نتيجة لانخفاض التفاعل الحقيقي.
التأثير السلبي على العلاقات الزوجية
أصبحت وسائل التواصل الاجتماعي، مثل: الإنستجرام أو الفيسبوك، شيئًا أساسيًا في حياة الكثيرين، حيث يقضي الأزواج وقتًا طويلاً في استخدامها، دون إدراك تأثيرها ذلك على علاقتهم الزوجية، من أبرز هذه المشاكل الإدمان على التصفح اللاواعي، حيث يجد أحد الشريكين نفسه يقضي وقتًا طويلًا في متابعة الأخبار أو تصفح المنشورات على حساب الطرف الآخر وإهماله، وقد يؤدي ذلك إلى تفاقم المشاكل الزوجية والشعور بالإهمال والفراغ العاطفي، بالإضافة إلى أن متابعة حياة المشاهير تؤدي إلى مقارنة حياة الأزواج بحياة هؤلاء الأشخاص، لأنهم يشاركون اللحظات الجميلة فقط، مما يدفع إلى عدم الرضا عن علاقتهم.
من أجل حل هذه المشاكل، على الأزواج أن يضعوا حدودًا واضحة لاستخدام وسائل التواصل الاجتماعي داخل المنزل، مثل تخصيص أوقات خالية من الهواتف، وتجنب تصفح الإنترنت أثناء الوجبات أو الأوقات العائلية، والتفرغ لقضاء وقت مع بعضهم البعض.
التأثير على أساليب التربية الأسرية
لم يعد هذا الإدمان مقتصرًا على الشباب والمراهقين والأطفال فقط، بل يشمل الأهل أيضًا، فهم يدمنون على مشاهدة الهاتف ووسائل التواصل الاجتماعي، مما قد يؤدي إلى الإهمال في تربية الأبناء، ويؤثر بشكل مباشر على علاقتهم بأطفالهم، وتشير دراسات إلى أن بعض الآباء يقضون وقتًا أطول في التفاعل مع أجهزتهم مقارنة بالوقت الذي يقضونه مع أطفالهم، وهو ما يُعرف بـ "التربية المشغولة رقميًا".
عندما ينشغل أحد الآباء أو كلاهما عن أطفالهم في قضاء الوقت على الهاتف، يشعر الطفل بعدم الاهتمام، بحيث أن هذا الانشغال يولد لدى الطفل مشاكل عاطفية مثل انخفاض تقدير الذات والشعور بالتجاهل، كما أن التفاعل المحدود بين أفراد الأسرة يقلل من فرص تطوير مهارات التواصل الاجتماعي لدى الطفل، مما قد يؤثر عليه في المستقبل عند التعامل مع الآخرين.
وعلى الأهل أن يكونوا أكثر وعيًا بأهمية التواصل العاطفي مع أطفالهم من خلال:
- تخصيص وقت يومي للأطفال بدون أجهزة إلكترونية، مثل اللعب معهم أو القراءة لهم.
- وضع قواعد صارمة لاستخدام الهواتف أثناء قضاء الوقت العائلي، مثل تجنب تصفح الإنترنت أثناء الوجبات العائلية.
- التفاعل مع الأطفال بوعي أكبر، من خلال الاستماع إليهم ومشاركة اهتماماتهم.
تأثير الشاشات السلبي على الأطفال والمراهقين
في عصر التكنولوجيا الحديثة، أصبح الأطفال والمراهقون يقضون وقتًا طويلاً جدًا على منصات التواصل الاجتماعي المختلفة، منها سناب شات وانستجرام وتيك توك، مما قد يؤدي إلى مشاكل كالمقاربات غير الصحية مع أقرانهم، مثل الشعور بعدم الكفاية، حيث يوجد أشخاص آخرون على هذه المواقع يتمتعون بحياة مثالية ورفاهية فاخرة، مما يجعلهم يشعرون بأنهم أقل حظًا أو أقل جاذبية من غيرهم، ويمكن أن تؤدي هذه المشاعر إلى انخفاض الثقة بالنفس وزيادة معدلات القلق والاكتئاب بين المراهقين، وعلى الأهل:
- توعية الأطفال والمراهقين بالمحتوى المضلل وغير الصحيح على منصات التواصل الاجتماعي، وتعليمهم كيفية التحقق من صحة هذه المعلومات.
- تعزيز ثقة الأطفال والمراهقين بأنفسهم من خلال تشجيعهم على تحقيق إنجازاتهم الشخصية بعيدًا عن معايير الجمال الزائفة.
- تحديد وقت معين لاستخدام منصات التواصل الاجتماعي لمنع الإفراط في التصفح.
تأثير الشاشات على العادات والتقاليد اليومية
يمكن القول إن الشاشات تؤثر على العادات والتقاليد العائلية بعدة سُبُل، منها:
- تقلّص اللحظات المشتركة: كالطعام معًا، الجلوس للحوار، ومشاركة الأنشطة، حيث قد يتم استبدالها أو تعوقها الأجهزة.
- تغيّر في نمط التواصل: بدل أن يكون الحوار وجهاً لوجه، قد يصبح الحوار أقل أو يُستبدل بمشاركة عبر شاشة أو تفاعل أقل مباشرة.
- تغيير في أدوار الأهل والمحتوى: قد يصبح الأهل أقل مشاركة فاعلة في اللحظات العائلية، أو يكونون موجهين أكثر أو أقل اعتمادًا على الشاشات كوسيلة ترفيه.
- خطر على الحفاظ على التقاليد: بعض التقاليد التي تعتمد على التفاعل والمشاركة (مثل قصّ الحكايات، الجلوس مساءً، اللعب معًا) قد تتأثر إذا أصبح وقت الشاشات أطول أو التفاعل أقل.
الجوانب الإيجابية لاستخدام للشاشات
- في دراسة أجراها معهد الإنترنت في جامعة أكسفورد أظهرت أن استخدام الشاشات بمستوى معتدل مثلاً من ساعة إلى ساعتين يوميا قد ارتبط بتحسين بعض المتغيّرات في الصحة النفسية والاجتماعية لدى الأطفال، مثل الأداء النفسي والاجتماعي (بمعنى الجوانب التي تتعلق بطريقة تفاعل الطفل مع الآخرين، وثقته بنفسه، وقدرته على التعبير عن مشاعره وفهم الآخرين).
- موقع Internet Matters المختص بسلامة التكنولوجيا أقر بأن للأطفال فوائد من الشاشات إذا كان المحتوى مفيداً، وبمشاركة الأهل، مثل: تعزيز الإبداع، العمل الجماعي، التعبير عن الذات، الربط مع الأصدقاء، وتعلّم مهارات رقمية.
- إحدى المراجعات البحثية أشارت إلى أن الشاشات ليست بالضرورة أن تكون سيئة دائماً فأثناء استخدامها بصورة موجهة، بمشاركة الأهل أو في سياق تعليمي، هناك إمكانية لتحسين بعض المهارات المعرفية والتعليمية
دراسة لمعهد الدوحة الدولي
وقد أجرى معهد الدوحة الدولي للأسرة -بالتعاون مع عدة مؤسسات محلية ودولية- دراسة أظهرت أن أكثر من ربع الآباء والأمهات الذين تمت مقابلتهم يعتمدون بشكل كبير على استخدام الإنترنت يوميًا، وأن أكثر من نصف اليافعين يستخدمون الإنترنت بشكل مكثف.
وخلصت الدراسة إلى أن اليافعين كانوا أكثر عرضة للتعلق بأجهزتهم والوسائل الرقمية إذا كان ذووهم يستخدمون الإنترنت بكثرة أيضًا، وبالإضافة لذلك، أظهرت النتائج أن المراهقين أكثر عرضة للإدمان الرقمي عند ظهور هذه الأعراض على ذويهم، مما يؤكد أهمية أن يكون الآباء قدوة حسنة لأطفالهم فيما يتعلق باستخدام التكنولوجيا.
مع كل ساعة نقضيها أمام الشاشات، هل نترك لحظات العائلة تضيع، أم نجد وقتًا لنكون مع بعضنا فعلًا؟ التوازن بين التكنولوجيا والحياة العائلية قد يكون كل ما نحتاجه.





