افتتاح المتحف المصري الكبير.. ماذا نعرف عنه؟

ملخص :
شهد حفل الافتتاح حضورًا مهيبًا لقادة دول وملوك ورؤساء وأمراء، إلى جانب ممثلين عن منظمات دولية وحقوقية كبرى، في مشهد عكس المكانة العالمية للمتحف المصري الكبير باعتباره مشروعًا إنسانيًا قبل أن يكون مصريًا.
وخلال الحفل، تسلّم كل قائد من القادة الحاضرين نموذجًا مصغرًا من المتحف يحمل اسم دولته، ليضعه في موقعه على مجسم ضخم للمشروع، في إشارة رمزية إلى أن هذا الصرح ملك للبشرية جمعاء.
ووضع الرئيس عبد الفتاح السيسي القطعة الأخيرة التي تمثل مصر، معلنًا الافتتاح الرسمي للمتحف، في تتويج لعقود من الجهد والتخطيط والعمل المتواصل.
رسائل ثقافية وسياسية
حمل افتتاح المتحف المصري الكبير رسائل متعددة الأبعاد، ثقافية وسياسية وحضارية، تعيد التأكيد على أن مصر كانت ولا تزال قلب الحضارة الإنسانية النابض، فعلى الصعيد الثقافي، أظهر المتحف أن الحضارة المصرية القديمة كانت مصدر إلهام دائم للبشرية في مجالات القانون والطب والهندسة والفلك والفن.
أما سياسيًا، فقد جاءت كلمات الرئيس السيسي لتجسد رؤية مصر لدورها في العالم كقوة سلام وإنسانية، مؤكداً أن السلام هو السبيل لبناء الحضارات، وأن العلم لا يزدهر إلا في مناخ من الأمن والاستقرار، بينما الثقافة لا تُثمر إلا في بيئة من التعايش والتفاهم.
قانون "ماعت": أول إعلان لحقوق الإنسان
ذكّر الافتتاح بقانون "ماعت" الذي وضعه المصريون قبل آلاف السنين، والذي يُعد أول إعلان لحقوق الإنسان وكرامة الطبيعة، فقد دعا هذا القانون إلى العدل والنظام واحترام الأرض والماء ونقاء الحياة، وهي القيم ذاتها التي تؤمن بها مصر الحديثة وتسعى إلى ترسيخها في عالم اليوم، تأكيدًا أن الحضارات الحقيقية لا تموت، بل تتطور وتُعيد تعريف ذاتها في كل عصر.
كلمات خالدة في ليلة الافتتاح
- العناني: المتحف التقاء بين الماضي والمستقبل
أكد الدكتور خالد العناني، المدير العام لليونسكو، أن المتحف المصري الكبير يمثل نقطة التقاء نادرة بين الماضي والمستقبل، فهو لا يقدم التاريخ كأثر ساكن، بل كقوة فاعلة ومحركة للفكر الإنساني نحو الابتكار.
- مجدي يعقوب: الطب المصري القديم سبق العالم
وفي كلمته، أشار الجراح العالمي السير مجدي يعقوب إلى أن الطب في مصر القديمة كان مهنة تجمع بين الجسد والروح، وأن المصريين القدماء قدموا للبشرية فكرة الرعاية الصحية الشاملة منذ آلاف السنين، وهي الفكرة التي تواصل مصر ترسيخها اليوم في سياساتها الصحية والإنسانية.
- فاروق حسني: إرادة المصريين حوّلت الحلم إلى واقع
أما فاروق حسني، وزير الثقافة الأسبق وصاحب فكرة إنشاء المتحف، فقد استعرض رحلة المشروع منذ عام 2002، مشيرًا إلى أن الفكرة بدأت كحلم على الورق، لكن الإرادة المصرية حولتها إلى صرح حقيقي رغم التحديات، مؤكدًا أن المتحف يستند إلى قيم أصيلة: التصميم والإبداع والإصرار والإيمان برسالة الحضارة.
المتحف.. ذاكرة حية وقوة للمستقبل
يفتح المتحف المصري الكبير أبوابه لا ليعرض الماضي فحسب، بل ليقدمه كجزء حي من الحاضر وقوة مؤثرة في تشكيل المستقبل، فالحضارة المصرية القديمة التي أرست أسس القانون والعدالة والفنون والعلوم تعود اليوم في أبهى صورها لتُلهم العالم من جديد، ليس بهدف الاحتفاء فقط، بل دعوة للتعلم والفهم والتأمل في رسائلها العميقة التي تتجاوز الزمن والجغرافيا.
السلام في قلب المشروع الحضاري المصري
في كلمته، شدد الرئيس عبد الفتاح السيسي على أن السلام هو جوهر الحضارة المصرية، مشيرًا إلى أن قاعات المتحف تروي قصة أول معاهدة سلام في التاريخ التي أبرمها الملك رمسيس الثاني في معركة قادش، لتؤكد أن السلام كان وما زال في صميم المشروع المصري الحضاري.
متحف يتحدث بلغات العالم
في كل زاوية من المتحف تحكي قصة، وكل قطعة أثرية تحمل رسالة، وكل جدار ينطق بدرس إنساني خالد، لكن المتحف لا يمثل نهاية الحكاية، بل بدايتها الجديدة؛ فمن خلال مراكزه التعليمية والبحثية ومنصاته الثقافية والتفاعلية، يتحول إلى فضاء حي للإبداع والحوار والفكر، يستقبل ملايين الزوار من مختلف الثقافات، ليكتشفوا في الحضارة المصرية انعكاسًا لذواتهم الإنسانية.
صرح عالمي للحضارة والحوار الإنساني
يُتوقع أن يصبح المتحف المصري الكبير مركزًا عالميًا للحوار الثقافي والحضاري، ومنصة لتقديم التاريخ الإنساني برؤية معاصرة، وبهذا الافتتاح، تكتب مصر فصلاً جديدًا في كتاب الحضارة الإنسانية، يبدأ من ماضيها العريق ويمتد بخطى واثقة نحو المستقبل، لتؤكد أن القاهرة لا تزال قادرة على إبهار العالم وإثراء وعيه برسالة المحبة والسلام.
الهوية المصرية.. طاقة لبناء المستقبل
تؤكد مصر، من خلال هذا الصرح العظيم، أن الهوية ليست ماضيًا نحتفي به فحسب، بل طاقة نستمد منها القوة لبناء المستقبل، فالمتحف ليس مجرد إنجاز معماري أو أثري، بل إعلان جديد عن الدور الريادي لمصر في صياغة الوعي الإنساني، ومساهمتها المستمرة في حوار الحضارات، وإيمانها بأن التراث قيمة حية قادرة على إضاءة طريق الإنسانية.
من الفكرة إلى الصرح: رحلة المتحف المصري الكبير
تعود فكرة إنشاء المتحف إلى تسعينيات القرن الماضي، وفي عام 2002 وُضع حجر الأساس للمشروع في موقع مميز يطل على الأهرامات.
وأُعلنت حينها مسابقة معمارية دولية برعاية اليونسكو، والاتحاد الدولي للمهندسين المعماريين، فاز بها تصميم شركة Heneghan Peng Architects الإيرلندية، الذي استلهم فكرته من امتداد أشعة الشمس من قمم الأهرامات لتلتقي في كتلة مخروطية تمثل المتحف.
بدأت أعمال البناء في مايو 2005، وأُنشئ عام 2006 أكبر مركز لترميم الآثار في الشرق الأوسط، وفي عام 20216 صدر قرار رئيس مجلس الوزراء رقم 2795 لسنة 2016 بإنشاء وتنظيم هيئة المتحف المصري الكبير، ثم القانون رقم 9 لسنة 2020 بإعادة تنظيمها كهيئة عامة اقتصادية تتبع الوزير المختص بالآثار.
ويترأس مجلس أمناء المتحف رئيس الجمهورية، ويضم نخبة من الشخصيات والخبراء المصريين والدوليين.
أما مجلس الإدارة فيرأسه الوزير ويضم ممثلين عن الهيئات السياحية والاستثمارية والثقافية، إضافة إلى خبراء في مجالات الآثار والاقتصاد والقانون والإدارة والتسويق.
أضخم متحف أثري في العالم
اكتمل تشييد المتحف عام 2021 على مساحة تزيد عن 300 ألف متر مربع، ليضم قاعات عرض ضخمة تُعد الأكبر من نوعها عالميًا، ويُعد المتحف صرحًا حضاريًا وثقافيًا وترفيهيًا متكاملًا، ووجهة عالمية لمحبي التراث المصري القديم.
يضم المتحف كنوز الملك توت عنخ آمون كاملة لأول مرة منذ اكتشافها عام 1922، ومجموعة الملكة حتب حرس، ومراكب الملك خوفو، إلى جانب مقتنيات من مختلف العصور حتى العصرين اليوناني والروماني.
مركز حي للثقافة والتعليم والإبداع
يحتوي المتحف على متحف للأطفال، مركز تعليمي، قاعات عرض مؤقتة، سينما، مركز مؤتمرات، ومناطق تجارية وترفيهية وحدائق واسعة.
وفي عام 2021، تم توقيع عقد تشغيل خدمات الزائرين مع تحالف حسن علام الذي يضم شركات مصرية ودولية متخصصة في إدارة الأعمال والتسويق والضيافة.
أهداف المتحف: من العرض إلى الإحياء
يعمل المتحف على تحقيق مجموعة من الأهداف الجوهرية، من أبرزها:
- عرض المجموعات الأثرية بأحدث تقنيات العرض المتحفي.
- التوثيق الرقمي وتسجيل وتأمين وصيانة وترميم القطع الأثرية.
- تنظيم المعارض الدائمة والمؤقتة داخل مصر وخارجها.
- عقد الندوات والمؤتمرات الثقافية والعلمية.
- توعية الأجيال الجديدة بالحضارة المصرية.
- إحياء الحرف والفنون التراثية وتسويق المستنسخات الأثرية.
بافتتاح المتحف المصري الكبير، تعلن مصر أن الحضارة لا تُختزن في الأحجار بل تنبض في الإنسان، وأن الماضي ليس حكاية تُروى، بل رسالة تُستكمل.. ومن قلب الجيزة، تقف مصر لتقول للعالم: "من هنا بدأ التاريخ، ومن هنا يبدأ المستقبل".





