"رحلة الألم".. مرضى الفشل الكلوي في غزة يصارعون الموت تحت الحصار

حياة رامي سكر تحولت إلى معركة يومية للبقاء على قيد الحياة، فهو أحد مئات مرضى الفشل الكلوي في غزة الذين يخوضون مواجهة مريرة مع المرض، في ظل الحصار والهجمات الإسرائيلية التي لا ترحم.
رامي، ابن حي الشجاعية، بدأ معاناته مع الفشل الكلوي عام 2004، وخضع لعملية زرع كلية في مصر، لكن المرض عاد إليه عام 2014 ليبدأ رحلة قاسية مع غسيل الكلى 12 ساعة أسبوعيًا. منذ بدء الحرب الأخيرة، اضطر للنزوح مع ابنته (11 عامًا) إلى خانيونس، تاركًا زوجته وأطفاله في غزة.
في مجمع ناصر الطبي، ظن رامي أنه وجد ملاذًا آمنًا، لكن الاحتلال اقتحم المكان واعتقله مع مرضى آخرين، وأجرى تحقيقًا أمنيًا معهم، ليطلق سراحه لاحقًا. ومع استمرار التصعيد، اضطر للانتقال من مكان إلى آخر بحثًا عن جلسة علاج واحدة فقط، وسط الخوف والقلق المستمر على سلامة طفلته.
تقرير جديد أصدره المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان بعنوان "مرضى الفشل الكلوي بلا رعاية" كشف تفاصيل مروعة عن هذه الأزمة الإنسانية المتفاقمة. فمن بين 1200 مريض، استُشهد 472 شخصًا (41%) منذ بداية الحرب في أكتوبر الماضي، بسبب نقص الرعاية الصحية وتدمير مراكز العلاج.
وبحسب التقرير، فإن 6 من أصل 7 مراكز متخصصة في غسيل الكلى تعرضت لتدمير واسع، أو خرجت عن الخدمة تمامًا، ما أدى لتراجع حاد في الخدمة الطبية المتاحة. ويضيف التقرير أن المرضى أصبحوا مضطرين للاكتفاء بجلسة واحدة أسبوعيًا بدلًا من ثلاث، مما تسبب في وفاة العديد منهم وتدهور حالة الباقين.
إحدى قصص المرضى يرويها التقرير عن شاب توفي بعد تقليص جلساته إلى 4 ساعات أسبوعيًا فقط بدلًا من 12 ساعة، فيما يكافح الباقون للحصول على أقل من الحد الأدنى من الرعاية الصحية.
اليوم، في غزة 728 مريضًا فقط من أصل 1200 يتلقون علاجاتهم بصعوبة بالغة، في ظل نقص حاد بالأدوية وأجهزة الغسيل التي تقلصت من 140 إلى 62 جهازًا فقط تعمل بكفاءة منخفضة. ويتوزع هؤلاء المرضى على أربعة مراكز، أكبرها مستشفى الشفاء الذي يعاني اكتظاظًا غير مسبوق.
وبلغة الأرقام الصادمة، يسلط التقرير الضوء على ما يعانيه مرضى الفشل الكلوي في غزة من معاناة مضاعفة، فهم بين مطرقة المرض المزمن وسندان الحصار الإسرائيلي الذي يمنع وصول المساعدات الطبية ويعيق إمكانية السفر لتلقي العلاج.
المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان وصف هذه الأفعال الإسرائيلية بـ"الجرائم ضد الإنسانية" التي تصل إلى حد "الإبادة الجماعية"، مؤكدًا أنها انتهاكات واضحة للقانون الدولي، وطالب المجتمع الدولي بسرعة التدخل لإنقاذ حياة المرضى وتأمين المساعدات الطبية لهم.
قصص المرضى، مثل رامي سكر، تختزل معاناة قطاع كامل يرزح تحت وطأة حرب لا ترحم. الحرب التي لم تفرق بين المدنيين والمقاتلين، وحولت حياة الآلاف إلى معركة يومية من أجل البقاء.