كندا تعلّق مؤقتًا بعض الرسوم الانتقامية على واشنطن وسط جدل سياسي متصاعد

في خطوة مفاجئة أثارت جدلاً واسعاً في الأوساط السياسية والاقتصادية، أعلنت الحكومة الكندية تعليقاً مؤقتاً لبعض الرسوم الجمركية الانتقامية التي كانت قد فُرضت على الواردات الأميركية، ردًا على إجراءات تجارية اتخذها الرئيس الأميركي دونالد ترامب سابقاً. القرار، الذي نُشر رسميًا في الجريدة الرسمية الكندية "كندا غازيت" بتاريخ 7 أيار/مايو، شمل إعفاءات لقطاعات محددة مثل الأغذية، الصحة، الأمن القومي، والتصنيع.
لكن الجدل لم يتأخر كثيراً. فبينما أكدت وزارة المالية الكندية أن التعليق مؤقت ويهدف إلى حماية سلاسل الإمداد الكندية، اتهم زعيم المعارضة بيار بوالييفر رئيس الوزراء الجديد مارك كارني بـ"خفض الرسوم الجمركية الانتقامية إلى ما يقارب الصفر دون إبلاغ أحد"، مستنداً في ذلك إلى تقرير حديث صادر عن مؤسسة "أكسفورد إيكونوميكس".
وزير المالية فرنسوا فيليب شامبان سارع إلى الرد عبر منصة "إكس"، نافياً تلك الاتهامات، ومؤكداً أن "70% من الرسوم الانتقامية التي فرضتها كندا لا تزال سارية حتى اليوم"، موضحاً أن هذه الإجراءات شملت في الأصل ما يزيد عن 60 مليار دولار كندي من السلع الأميركية. وأضاف أن هذه السياسة صُمّمت بعناية "للرد على واشنطن مع تقليل الأضرار المحتملة على الاقتصاد الكندي".
لماذا تم تعليق بعض الرسوم؟
المتحدثة باسم الوزير، أودري ميليت، أوضحت أن الإعفاء المؤقت من بعض الرسوم كان ضرورياً لإعطاء الشركات الكندية فرصة لإعادة هيكلة سلاسل التوريد وتقليل اعتمادها على الموردين الأميركيين، مشيرة إلى أن الإعفاء يستمر لمدة 6 أشهر فقط. وبحسب الوزارة، لا تزال الرسوم الجمركية مفروضة على ما يقارب 43 مليار دولار كندي من السلع الأميركية.
وتأتي هذه الخطوة في سياق اقتصاد متوتر، حيث يُظهر أحدث تقرير للوظائف أن الرسوم الجمركية التي فرضها ترامب ألحقت ضرراً فعليًا بعدد من القطاعات الكندية الحيوية، من بينها صناعة السيارات والصلب والألمنيوم.
الخلفية: صراع جمركي بدأ مع ترامب
الصراع التجاري بين كندا والولايات المتحدة تصاعد منذ عام 2018، حين فرض الرئيس الأميركي دونالد ترامب رسومًا جمركية بنسبة 25% على واردات الصلب و10% على الألمنيوم من كندا، بالإضافة إلى تهديدات بفرض رسوم إضافية على السيارات. ردّت كندا حينها برسوم انتقامية على سلع أميركية بمليارات الدولارات، تراوحت من المنتجات الغذائية إلى مواد البناء.
وعلى الرغم من تعليق بعض هذه الرسوم لاحقًا، بقيت العلاقات التجارية بين الجارين الشماليين متوترة، إذ تشكّل الولايات المتحدة الشريك التجاري الأكبر لكندا، حيث تذهب ثلاثة أرباع الصادرات الكندية إلى السوق الأميركية.
الأزمة السياسية: هل خفّضت الحكومة الرسوم سرًا؟
الاتهامات الموجهة إلى حكومة كارني تكشف عن معركة سياسية ساخنة داخل كندا، حيث يستغل زعيم المعارضة بوالييفر تقارير مراكز الأبحاث لتوجيه انتقادات حادة لرئيس الوزراء المنتخب حديثاً، الذي تعهّد في حملته الانتخابية بمواجهة ترامب وحماية الصناعات الوطنية.
لكن الحكومة تصر على أن ما جرى ليس تخفيفاً سريًا أو تراجعًا عن السيادة الاقتصادية، بل خطوة مدروسة ضمن استراتيجية طويلة الأمد لإعادة هيكلة الاقتصاد، مع الحفاظ على موقف تفاوضي قوي في أي محادثات مستقبلية مع واشنطن.
ما التالي؟
من المتوقع أن تزداد وتيرة الضغط السياسي مع اقتراب نهاية فترة الإعفاءات بعد ستة أشهر، إذ سيتوجب على حكومة كارني إما تمديد الإعفاءات أو إعادة فرضها بالكامل، وسط ترقّب شديد من الصناعات المحلية والخبراء الاقتصاديين.
في الوقت ذاته، من غير الواضح بعد كيف سترد واشنطن على هذه التطورات، خاصة وأن بعض الرسوم الأميركية لا تزال معلقة في انتظار مفاوضات تجارية جديدة.